فــأر فـي الــبيت
الخيبة وحدها عكازتي في مسيرة النسيان
دخل البيت فأر صغير
وأخذ يعيث فساداً بأثاث المنزل
قال الأب وكان رجلاً مسناً متعباً: لا بد من قتله قبل أن يخرب البيت كله
ضحك الأبناء جميعاً لقد خرّف أبانا فأر يخرّب بيتنا الكبير
ونحن موجودون فيه
قال الأكبر وكان شاباً قويّ الساعد مفتول العضلات مهاب الجانب: بركلة واحدة
من طرف حذائي أجعله فتاتاً
وقال الأوسط وكان ذا هيبة وحنكة عندما يتكلم: ركلة القدم قد تسبب آثاراً
قذرة على الأرض تتعب أمنا المسنة بعدها
سأرفعه من ذيله بطرف إصبعي هاتين وأشار للإبهام والوسطى وأرميه خارجاً
قال الأصغر بعامين وكان مغروراً منفاخاً فأر صغير لا يستحق أن ألوث به إصبعاً
سأدحرجه
بطرف المكنسة وأعيده من حيث أتى
قال الأصغر وكان قليل الحيلة كثير الكلام خائب الأفعال لكنه مدعوم
بحب الأم الزائد وبعطف الأب: أنا لها إياكم والاقتراب منه
إنها فرصتي لأثبت لكم جميعاً أني أستطيع فعل شيء ما
اختلف الأخوة وكانوا كثر واحتدم النقاش والأب يستمع بحزن ويهز رأسه بأسى
ويردد بصوت ضعيف بين الفينة والأخرى
يا أولاد الفأر الفأر يخرّب البيت
غاب صوت الأب وارتفع صوت الخلاف بين الأخوة
الأول قال: أنتم ليس لكم كبير عندما يتكلم الكبير يجب أن يصغي الجميع
ونسي أن أباه هو الكبير وليس هو
وقال الأوسط: من غابت حنكته بطلت أفعاله
كلكم تشهدون لي بالذكاء ويجب أن أكون صاحب القول الفصل
وقال الصغير: أرأيتم حتى صغائر الأمور لا تتركوها لي وتقولون
بعدها لا أصلح لشيء
غاب صوت العقل وكان الخلاف سيد الموقف بين الأخوة
كبر الفأر وأصبح جرذاً
وكبر الخلاف
كانت النقاشات الحامية تمتد ساعات طويلة يخرج بعدها الأخوة
متخاصمين
كل واحد يطعن أخاه في ظهره كم من المرات تخاصم بعضهم وكم من المرات
تصالح الآخر
على حساب خصام أخوته وكم من المرات اضطروا مرغمين إلى الاجتماع
استدعى الجرذ فأرة كبيرة
تشاركه البيت المليء بالرجال أصحاب الأقوال الطنانة
والأفعال الهزيلة
فرّخ الجرذ والفأرة جرذاناً وفأرات
والأخوة لا زالوا يجتمعون ويتناقشون ويتخاصمون
مات الأب وماتت الأم ولم يعد الأخوة يجتمعون إلا للتذكير بأن البيت امتلأ بالفئران
قالت زوجة الأخ الكبير وكانت محبة للمال حتى النهم: لِمَ تتركون البيت
هكذا للفئران ثمنه أفضل منه فلتبيعوه ولتنتفعوا بثمنه
قالت زوجة الأوسط وكانت ذكية وألعبان: قد لا يقبل الأخوة ببيع البيت لأنه رمز
اجتماع العائلة الوحيد
قالت زوجة الأصغر وكانت مشهورة بالحكمة: أي عائلة هذه بعد موت الأبوين
إنهم لا يجتمعون إلا للشجار والخصام.. اجتماعهم عدمه أفضل منه
اختلفت الزوجات لكنهن سرعان ما اتفقن على أن بيع البيت هو الأفضل وهو الأهم
وسرعان ما أقنعن الأخوة..!!
ذهب الجميع إلى صاحب المكتب العقاري للمفاوضة والاتفاق
وعندما فتح الدلال باب البيت
راعه ما رآه بيت مليء بالفئران خرابة لا تصدق
دفع ثمناً بخساً لم يرضِ أحداً وقال: إنه لا يصلح للعيش
قال الأوسط ذو الحنكة والخبرة: لقد بعنا بيتنا من زمن
وعندما فتحت الزوجات أفواهن دهشة وقبل أن يسألن لمن ومن قبض الثمن
قال الأوسط: للفئران وبلا ثمن بل لقد دفعنا من جيبنا أيضاً أخوتنا وأحلامنا